فصل: الشاهد الثالث والخمسون بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.أخباره في الجهاد.

لما بلغه تغلب العدو على قائده شلب وأنه أوقع بعسكر أشبيلية وترددت سراياهم على نواحيها واقتحم كثيرا من حصونها وخاطبه السيد أبو يوسف بن أبي حفص صاحب اشبيلية بذلك استنفر الناس للجاد وخرج سنة ست وثمانين وخمسمائة إلى قصر مصمودة فأراح به ثم أجاز إلى طريف وأغذ السير منها إلى شلب ووافته بها حشود الأندلس فتركهم لحصارها وزحف إلى حصن طرش فافتتحه ورجع إلى أشبيلية ثم رجع إلى منازلة شلب سنة سبع وثمانين فافتتحه.
وقدم عليه ابن وزير بعد أن كان افتتح في طريقه إليه حصونا أخرى ثم قفل إلى حضرته بعد استكماله غزاتة وكتب بعهده لابنه الناصر.
وقدم عليه سنة ثمان وثمانين وخمسمائة السيد أبو زيد صاحب أفريقية ومعه مشيخة العرب من هلال وسليم فتلقاهم مبرة وتكريما وانقلب وفدهم إلى بلادهم ثم بلغه سنة تسعين وخمسمائة استفحال ابن غانية بأفريقية وكثرة العيث والفساد بها فاعتزم على النهوض إليها ووصل إلى مكناسة فبلغه من أمر الأندلس ما أهمه فصرف وجهه إليها ووصل قرطبة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة فأراح بها ثلاثا وإمداد الحشود تتلاحق به من كل ناحية ثم ارتحل للقاء العدو ونزل بالأرك مننواحي بطليوس وزحف إليه العدو من النصارى وأمراؤهم يومئذ ثلاثة:
ابن أذفونش وابن الرند والبيوح وكان اللقاء يوم كذا سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وأبو محمد بن أبي حفص يومئذ على المطوعة وأخوه أبو يحيى على العساكر والموحدين فكانت الهزيمة المشهورة على النصارى واستلحم منهم ثلاثون ألفا بالسيف واعتصم فلهم بحصن الأرك وكانوا خمسة آلاف من زعمائهم استنزلهم المنصور على حكمه وفودي بهم عددهم من المسلمين واستشهد في هذا اليوم أبو يحيى ابن الشيخ أبي حفص بعد أن أبلى بلاء حسنا وعرف بنوه بعدها ببني الشهيد.
وانكفأ المنصور راجعا إلى أشبيلية ثم خرج منها سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة غازيا إلى بلاد الجوف فافتتح حصونا ومدنا وخربها.
كان منها ترجالة وطلبيرة وأطل على نواحي طليطلة فخرب بسائطها واكتسح مسارحها وقفل إلى أشبيلية سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة فرفع إليه في القاضي أبي الوليد بن رشد مقالات نسب فيها إلى المرض في دينه وعقله وربما ألف بعضها بخطه فحبس ثم أطلق وإشخص إلى الحضرة وبها كانت وفاته.
ثم خرج المنصور من أشبيلية غازيا إلى بلاد ابن أذفونش حتى احتل بساحة طليطلة وبلغه أن صاحب برشلونة أمد ابن أدفونش بعساكره وأنهم جميعا بحصن مجريط فنهض إليهم ولما أطل عليهم انفضت جموع ابن أذفونش من قبل القتال ثم انكفأ راجعا إلى أشبيلية ثم رغب إليه ملوك النصرانية في السلم فبذله لهم.
وعقد على أشبيلية للسيد أبي زيد ابن الخليفة وعلى مدينة بطليوس للسيد أبي الربيع ابن السيد أبي حفص وعلى المغرب للسيد أبي عبد الله ابن السيد أبي حفص وأجاز إلى حضرته سنة أربع وتسعين وخمسمائة فطرقه المرض الذي كان منه حتفه وأوصى وصيته التي تناقلها الناس وحضر لوصيته عيسى ابن الشيخ أبي حفص وهلك رحمه الله سنة خمس وتسعين وخمسمائة في آخر ربيعها والله تعالى أعلم.

.الخبر عن وصول ابن منقذ بالهدية من قبل صاحب الديار المصرية.

كان الفرنج قد ملكوا سواحل الشام في آخر الدولة العبيدية منذ تسعين سنة وملكوا بيت المقدس فلما استولى صلاح الدين بن أيوب على ديار مصر والشام اعتزم على جهادهم وصار يفتح حصونها واحدا بعد واحد حتى أتى على جميعها وافتتح بيت المقدس سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وهدم الكنيسة التي بنواحيها وانفضت أمم النصرانية من كل جهة واعترضوا أسطول صلاح الدين في البحر فبعث صريخه إلى المنصور سنة خمس وثمانين وخمسمائة يطلب إعانته بالأساطيل لمنازلة عكا وصور وطرابلس ووفد عليه أبو الحرث عبد الرحمن بن منقذ بقية أمراء شيزر من حصون الشام كانوا أشروا به عند اختلال الدولة العبيدية فلما استقام الأمر على يد صلاح الدين وانتظم ملك مصر والشام واستنزل بني منقذ هؤلاء ورعى لهم سابقتهم وبعثه في هذه إلى المنصور بالمغرب بهدية تشتمل على مصحفين كريمين منسوبين ومائة درهم من دهن البلسان وعشرين رطلا من العود وستمائة مثقال من المسك والعنبر وخمسين قوسا عربية بأوتارها وعشرين من النصول الهندية وسروج عدة ثقيلة ووصل إلى المغرب ووجد المنصور بالأندلس فانتظره بفاس إلى حين وصلوله فلقيه وأدى الرسالة فاعتذر له عن الأسطول وانصرف ويقال إنه جهز له بعد ذلك مائة وثمانين أسطولا ومنع النصارى من سواحل الشام والله تعالى أعلم.

.دولة الناصر بن المنصور.

ولما هلك المنصور وأمر ابنه محمد ولي عهده وتلقب الناصر لدين الله واستوزر أبا زيد بن يوجان وهو ابن أخي الشيخ أبي حفص ثم استوزر أبا محمد ابن الشيخ أبي حفص وعقد للسيد أبي الحسن ابن السيد أبي حفص على بجاية وفوض إليه في شؤونها وبلغه سنة ست وتسعين وخمسمائة إجحاف العدو بأفريقية وفساد الأعراب في نواحيها ورجوع السيد أبي الحسن من قسنطينة منهزما أمام ابن غانية فأنفذ السيد أبا زيد بن أبي حفص إلى تونس في عسكر من الموحدين لسد ثغورها.
وأنفذ أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص فتغلب ابن غانية خلال ذلك على حصن المهدية وثار بالسوس سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ثائر من كزولة يعرف بأبي قفصة فسرح الناصر إليه عساكر الموحدين فقصدوا جموعه وقتل وفي أيامه كان فتح ميورقة على ما نقلوا من خبرها.